رحيل صوفيا كورادي.. المرأة التي آمنت بأن التعليم هو الطريق إلى السلام

رحيل صوفيا كورادي.. المرأة التي آمنت بأن التعليم هو الطريق إلى السلام
صوفيا كورادي

رحلت في العاصمة الإيطالية روما عن عمر ناهز الحادية والتسعين، صوفيا كورادي، المرأة التي آمنت بأن التعليم هو الطريق إلى السلام، وصنعت من هذا الإيمان برنامجاً غيّر وجه القارة الأوروبية وأثر في حياة ملايين الشباب حول العالم، إنها مؤسِّسة برنامج إيراسموس للتبادل الطلابي، الذي أصبح أحد أنجح مشروعات الاتحاد الأوروبي وأكثرها تأثيراً في بناء الهوية الأوروبية المعاصرة.

من منحة إلى رسالة إنسانية

في خمسينيات القرن الماضي، كانت صوفيا كورادي، الشابة الإيطالية الطموحة، تحمل حلماً يتجاوز حدود بلادها، حصلت وهي في العشرينات على منحة فولبرايت المرموقة التي نقلتها من روما إلى جامعة كولومبيا في نيويورك، حيث درست القانون وتعرفت على أنظمة تعليمية أكثر انفتاحاً وتنوعاً، لكن حين عادت إلى إيطاليا، فوجئت بأن شهادتها الأمريكية غير معترف بها، هذه التجربة الشخصية تحولت إلى شرارة فكرة برنامج تبادل طلابي يتيح للطلاب الأوروبيين الدراسة في بلدان أخرى، مع الاعتراف المتبادل بالشهادات والخبرات وفق فرانس برس.

ميلاد فكرة ربطت أوروبا بالمعرفة

في عام 1987، أطلقت كورادي برنامج إيراسموس الذي سرعان ما أصبح جسراً ثقافياً وإنسانياً بين الجامعات الأوروبية، لم يكن البرنامج مجرد وسيلة لتبادل المعرفة، بل مشروع لبناء التفاهم والسلام بعد عقود من الحروب التي مزقت القارة، تقول كورادي في مقابلة عام 2018 إن "فكرتي وُلدت خلال الحرب الباردة، وكانت مهمتي السلمية الشخصية من أجل أوروبا متصالحة مع نفسها".

إرث ممتد عبر الأجيال

اليوم، وبعد مرور أكثر من ثلاثة عقود على انطلاق البرنامج، تجاوز عدد المستفيدين منه ستة عشر مليون طالب من مختلف دول الاتحاد الأوروبي، وفق بيانات الموقع الرسمي لبرنامج إيراسموس، هؤلاء الشباب عاشوا تجربة العيش والدراسة في بيئات مختلفة، وتعلموا لغات جديدة، وتبادلوا الأفكار، وأسهموا في بناء وعي أوروبي مشترك يؤمن بالتعددية والانفتاح.

تكريم امرأة غيّرت مستقبل التعليم في أوروبا

وصف أفراد أسرة كورادي الراحلة بأنها "امرأة ذات طاقة عظيمة وكرم فكري وعاطفي لا حدود له"، كما كتب وزير الخارجية الإيطالي أنتونيو تاياني في نعيه لها أن "صوفيا كورادي ألهمت حياة ملايين الشباب الذين سافروا واحتضنوا ثقافات مختلفة بفضل رؤيتها الإنسانية"، أما الوزير الفرنسي للشؤون الأوروبية بنجامان حداد فكتب أن "أجيالاً من الشباب الأوروبيين مدينة لها بالامتنان لما قدمته من فرصة للعيش في قارة أكثر انفتاحاً وتنوعاً".

حياة من أجل الحق في التعليم

كرّست كورادي مسيرتها الأكاديمية للدفاع عن الحق في التعليم كونه قيمة أساسية من قيم الكرامة الإنسانية، وقد أجرت بحوثاً لأجل لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، والأكاديمية الدولية للقانون في لاهاي، وكلية لندن للاقتصاد، كانت ترى في التعليم حقاً كونياً ووسيلة لتحقيق العدالة والمساواة، وليس امتيازاً اجتماعياً.

برنامج إيراسموس، الذي أصبح لاحقاً "إيراسموس بلس"، يُعد من أكبر المبادرات التعليمية في العالم. أطلقه الاتحاد الأوروبي عام 1987 بهدف تعزيز التبادل الأكاديمي والثقافي بين طلاب الجامعات الأوروبية، ويمتد اليوم ليشمل شراكات مع أكثر من مئة دولة خارج القارة، يوفّر البرنامج منحاً وفرصاً للطلاب والأساتذة والباحثين للمشاركة في تجارب تعليمية خارج بلدانهم، ويسهم في دعم قيم المواطنة العالمية وبناء جسور التواصل بين الثقافات.

لقد غيّر إيراسموس ملامح التعليم الأوروبي، ورسّخ فكرة أن المعرفة لا تعرف حدوداً، وهي الفكرة التي عاشَت صوفيا كورادي من أجلها حتى آخر يوم في حياتها.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية